قبل تتبّع خطى فرنسيس في تأمله تجدر الإشارة إلى المصادر التي غذّت صلاته.
كلمة الله
كان فرنسيس كثير الاصغاء الى كلمة الله، صلاته مشبعة بها.
هذّبت المزامير والأناشيد الكتابية صلاة فرنسيس فغاص في تيارها. وجد نمط الإنسان الكتابي وسعى إلى تأوينه: إنه الفقير إلى الله بكامل أبعاده وهو في الوقت نفسه الإنسان الذي يصرخ شقاءه وينتظر منه رجاءه. انه الرجل الذي يعبد الله ويتلاشى في صلاة الشكر والحمد.
الحياة الطقسية ( الليتورجيا )
الحياة الطقسية منهل آخر، يلهم صلاة فرنسيس إلى جانب كلمة الله. والمنهلان يتداخلان. إن كلمة الله إذ وصلت فرنسيس عبر الليتورجيا فإنها لم تكتف بأن تكون مجرّد وسيلة للتأمل بل أصبحت تؤدى ويحتفل بها : الكلمة صارت فعلا.
يولي فرنسيس الافخارستيا مكانة كبيرة في حياة صلاته. والأعياد الليتورجية الكبرى التي تحيي أسرار السيد المسيح، يعيشها فرنسيس بعنف روحي.
توجيه نحو الله
إن مؤالفة كلمة الله عبر الليتورجيا أعطت صلاة فرنسيس توجها واضحا نحو الله لأنها تعبير رجل استحوذت عليه حقيقة الله وعظمته اللامتناهية، فجاءت وكأنّها والإنطوائية على نقيض.
اللقاء بالله
" كي تضيء فينا معرفتنا لك"
يقول فرنسيس مستشهدا بالكتاب المقدّس في التوصية الأولى : "يسكن الله الآب نورا لا يدنى منه، الله روح، الله لم يره أحد" ( توصية1/ 5). وأول ما يتبادر إلى الذهن عند قراءة كتابات فرنسيس، هي فكرة عظمة الله. وفي أساس صلاة الفقير الصغير وعي عميق للهوة التي تفصله عن الله: " إننا نحن المعوزين والخطأة لا نسحق أن نتفوّه باسمك أيها العلي."
الله لا يدرك. انه يفوق مقاييسنا البشرية. " لا بدء له ولا نهاية، انه الثابت وغير المنظور، لا يوصف ولا يسبر..." لم يغتمّ فرنسيس أمام عظمته. اكتفى بألا يتملّك الله، ألا يسخّره لأموره ومصالحه فيجعله على مقداره. انه يترك الله أن يكون إلها : " انك وحدك قدّوس أيها الربّ للإله. أنت للمعجزات صانعها، أنت القوي والعظيم، أنت العلي...."
ولكن الذي " لا انسان أهل للتفوه باسمه"، يقدّم ذاته لنا، دون استحقاق منا، حتى نتعرّف عليه في انسانية الابن. ( يتبع) |