مثل الرسل الذين مضوا في السفينة إلى مكان قفر يعتزلون فيه، ويستريحوا قليلًا، بعدما "أخبروا يسوع بجميع ما عملوا وعلّموا" (مر 6/30-32) هكذا فعلت الأخت مارلين ابو زيد اللبنانيّة الأصل بناء على طلب السيّد الربّ ومضت لا بالسفينة بل بالطائرة لتقضي سنة راحة وتعمّق بعيدًا عن ضجيج رسالتها في شمال افريقيا وبالتحديد تونس...
وإذ بها تنتبه إلى واقع اللاجئين وانتظاراتهم فتصغي وتلبّي النداء ممدّدة إقامتها في لبنان لخدمة اللاجئين السوريين في البقاع بالتعاون مع الJRS "الهيئة اليسوعيّة لخدمة اللاجئين"، وبهذا تمييز جماعي وشخصي عاشته الرهبانيّة وأكثر من ذلك تعاون ما بين المشرق والمغرب العربي في قلب الرهبانيّة، تغيير قرارات وتضحية بوقت وأشخاص تلبية لنداءات آنيّة تتجاوب مع إرادة الربّ لخير الإنسان ...
نقدّم لكم مقابلة مع الأخت مارلين أبو زيد، قامت بها الأخت كريستين سانغاريه المرسلة إلى لبنان من مالي:
- أيتها الأخت مارلين، ما الذي دفعكِ للعمل مع الهيئة اليسوعيّة لخدمة اللاجئين؟
أثناء إقامتي في لبنان تأثّرت بواقع اللاجئين السوريين وتمنّيت كممرّضة لو استطيع خدمتهم ومؤازرتهم! تبلور هذا الشعور في بحر رياضتي الروحيّة: قمت برياضة ال 30 يوم الإغناطيّة الصامته عند الآباء اليسوعيّين في تعنايل، وبهذه الأثناء وفي قلب الصمت سمعت نداء الربّ يسوع يدعوني لخدمته خادمةً المتألّمين والأشدّ فقرًا، كنت حينها أتأمّل كلامه: "تعالوا، يا مَن باركهم أبي، فرِثوا الملكوت المعدَّ لكم منذ إنشاء العالم: لأنّي جعتُ فأطعمتموني، وعطشتُ فسقيتموني، وكنتُ غريبًا فآويتموني، وعريانًا فكسوتموني، ومريضًا فعدتموني، وسجينًا فجئتم إليّ" (متى 25/34-40). بنفس الوقت جاء نداء قداسة البابا فرنسيس يدعونا إلى: "الخروج من رفاهنا الخاصّ والتحلّي بالشجاعة للبلوغ إلى جميع المناطق المحتاجة إلى نور الإنجيل" (فرح الإنجيل، 20) وكان لهذا النداء صدى مميّز في قلبي. قرّرت بنهاية الرياضة مشاركة الرئيسة الإقليميّة في الشرق الأوسط، الأخت بياريت جبّور، بذلك وأعرض عليها ما يجول في خاطري! ومن جهتها نصحتني التعرّف أكثر على وضع اخوتنا اللاجئين السوريين بلبنان، والبحث عن سبيل للالتزام.
مع الوقت وجدت لدى الهيئة اليسوعيّة لخدمة اللاجئين هذا السبيل وبشكل واقعيّ يتجاوب مع رغبتي العميقة. في البداية كنت أذهب مع الأخت منى مطر، من بيروت إلى البقاع لزيارة المكان والتعرف على نوع الخدمة ومختلف الامكانيّات المتاحة. كنّا نرغب في الذهاب لزيارة العائلات في المخيّمات والاهتمام بشكل خاص بالمرأة. ثمّ قمنا بكتابة مشروع يهدف إلى مساندة النساء السوريّات وعرضناه على مسؤول الـ JRS في بيروت. هكذا تلاقت رغبتنا بمساندة النساء مع رغبة الآباء اليسوعيّين بإقامة مركز تنشئة للنساء المقيمات في مخيّمات اللاجئين، وتحقّق المشروع بالقرب من تعنايل...
- ما هي رسالة الـ JRS "الهيئة اليسوعيّة لخدمة اللاجئين" نحو العائلات النازحة؟
الـ JRS جمعيّة عالميّة، أسس اليسوعيون فرعًا لها في لبنان تجاوبّا مع ظاهرة اللجوء الناتجة عن الأزمة السوريّة. عالميّا، تتمحور رسالتها حول ثلاث محاور: خدمة، مرافقة، دفاع. أسسوا في لبنان عدّة مدارس للصغار ومراكز تنشئة للكبار (نساء ورجال) والدعم النفسي من خلالها.
- هل اكتشفتي بهذه الخدمة مع اليسوعيّة نقاط مشتركة مع رؤيتنا الفرنسيسكانيّة للرسالة؟ ما هي؟
تمركز نشاطي حول زيارة العائلات في المخيّمات وبناء علاقات أخويّة معها، الإصغاء لكل فرد من العائلة بكل ما تحمل هذه الكلمة من متطلّبات: أي بدون أحكام مسبقة عن انتمائهم الدينيّ أو الإثني أو السياسيّ، بل الإصغاء لهم بقلب واسع رؤوف يحترم الجميع، ويقبل واقعهم كما هو. حتّى أعيش هذه الرسالة كنت استمد مواقفي من موقف القدّيس فرنسيس، أخ الجميع، المتواضع والقريب من الكلّ. وكما تنصّ قوانين رهبانيّتنا: "نحن مستعدّات للذهاب إلى الذين نجد الكنيسة أقل حضورًا فيما بينهم، مع إيثار من هم أكثر فقرًا" (بند 4)
"إننا ننطلق إلى جميع الناس كما فعل السيّد المسيح، بقلب متواضع، مستعدّ للعطاء، وأن نقف موقفه من الآخرين، موقف احترام وتقبّل، موقف انفتاح وخدمة" (بند 39)
- الأخت مارلين، شاركينا أفراحكِ أثناء العمل:
فرحت فرحًا عظيمًا لأنني تمكنت من بناء علاقات صداقة مع العائلات في المخيّمات، علاقات مبنيّة فعلًأ على الثقة والاحترام. خاصّة أن زيارتي لم تكن محمّلة بالمساعدة الماديّة مثل سائر الجمعيات الخيريّة، إنّما كنت أزورهم فارغة اليدين كأخت لهم أشاركهم أفراحهم وأحزانهم، أخفّف عنهم وأعزيهم بحضوري وإصغائي الأخوي والجدّي. أريد أن أشكرهم من كلّ قلبي على سعة قلوبهم والثقة التي منحوني إيّاها بمشاركاتهم الحميمة.
- شاركينا صعوباتكِ:
صعوبتي كانت من الناحية العمليّة، فقد تطلّب هذا الالتزام منّي ومن الراهبات اللواتي شكّلت معهنّ جماعة أخويّة، مغادرة بيروت والسكن في مدينة تعلبايا. لا بدّ من تهيئة مكان للسكن، اكتشاف المنطقة والتعرّف على عاداتها وتقاليدها المجهولة علينا جميعًا، التأقلم على وسائل النقل للوصول إلى مكان العمل. لكنّ هذا لم يقلّل من اندفاعنا وحماسنا الرسولي بل صار جزء منه...
- شاركينا بكلمة حول العيش المشترك على ضوء خبرتك بالمخيّم كمسيحيّة في مجتمع غالبيّته مسلمين:
إنني أعيش في شمال أفريقيا منذ 25 سنة، وهي ذات غالبيّة مسلمة، أخدم فيها كفرنسيسكانيّة مرسلة مريم، وسعيدة بذلك. ولهذا كنت مرتاحة في عملي بالمخيّمات في وسط مسلم تمامًا. كما سمحت لي الظروف باللقاء بالمسلمين اللبنانيّين من منطقة البقاع.
شعرت بوجود بعض الخوف والجروحات الآتيّة من الحرب اللبنانيّة بين المسلمين والمسيحيّين! إنّي أحملهم بقلبي وأرفعهم بصلاتي حتّى ينعم الله علينا نعمة المصالحة العميقة والحقيقيّة، والشفاء من جراح الماضي الأليم الذي فرّق الناس عن بعضهم البعض. لكنّي أؤمن أنّ الشعب يستطيع السير قُدُمًا رغم كلّ التحديّات، إن توقّف الرؤساء الدينيّين والسياسيّين عن بناء مجدهم على شيطان الخوف من الآخر المختلف!
- الآن ستغادري لبنان إلى رسالتك الجديدة في المغرب العربي، وفي قلبكِ الكثير من الكلام تتمنّين أن تقوليه للراهبات في اقليمي الشرق الأوسط وشمال افريقيا. |