في مثل هذه الأيام كنت أودع إقليم الشرق الأوسط لانطلق نحو إقليم تونس وليبيا والجزائر تاركة نعمة الحبّ تعمل كيفما تشاء... مجهول جديد واختبارات جديدة .. واليوم بعد مرور سنة تقريبا على وجودي في هذا الإقليم لا أستطيع إلا أن أقول الشكر والحمد لله. لقد صدقت الطوباوية ماري دو لا باسيون في قولها العالم بأسره وطننا، والافخارستيا سندناًَ ، والحياة الأخوية رمزنا.
لقد وصلت تونس بأجواء زمن المجيء فاستقبلتني الأخوات في بيت لنا في العاصمة وأخذن يساعدنني في التأقلم على العيش الجديد والانفتاح على المجتمع إلى أن انطلقت بعد الاحتفال بعيد الميلاد إلى بيت لنا في أعالي الجبال التونسية في منطقة اسمها عين دراهم...
في هذا البيت الجبلي أخذت أكتشف مع الأيام جمال هذا الحضور رغم العزلة والبعد، ففيه عشن الراهبات منذ أكثر من 75 عاماً وعملن على تنشئة الفتيات في التأهيل المهني من خياطة وتطريز على التراث التقليدي لعين دراهم، وعملن على تنشئة فتيات ممرضات استطعن تحمل المسؤولية بالمستشفى الناشئة، غير الزيارات والحضور المجاني والمساعدات رغبةً منهنّ أن يختبر كل إنسان يلتقين به كونه محبوب فالله معه...
على أثر هذا التاريخ عندنا الآن مجموعة من الفتيات يتابعن التطريز بهدف بيع منتجاتهن، وأخريات يتعلمن الخياطة مع راهبة إسبانية، والعديد من الأطفال يأتين لتقوية لغتهن الفرنسية، وبحر واسع من الأحباء يأتوالزيارتنا ونبادلهم الزيارة... عندنا الآن روضة للأطفال تضم أكثر من مائة طفل، أخذت أتعرف عليها وعلى المربيّات فيها، أتعلم منهم طريقتهم بالتنشيط وأقدم لهم خبرتي التربوية الوضيعة بالتنسيق مع الراهبة الفرنسية المديرة ...
هكذا اختبر يوما بعد يوم لذة العمل الجماعي كرهبنة من جنسيات عدة في مجتمع عربي إسلامي... فالتنوع غني ومؤلم، قد يغدو طريقا للخروج من الذات والانفتاح، والسعي نحو اختبار حضور الله في كل الثقافات والأديان... فهنا احتفلت مع الأطفال بعيد الفطر السعيد وخبزنا كعك العيد... هنا احتفلت معهم بعيد الشجرة وغرسنا شجرة الروضة... وهنا التقيت بأخوات من كوريا وسريلانكا وفرنسا والهند والكونغو وغيرها من البلدان... هنا يدفعني الرب أن اقبل كل يوم بان يخلع عني إنساني القديم ليلبسني الجديد، بطريقة عيشي إيماني المسيحي... قناعاتي الرهبانية والإنسانية...لغتي ولهجتي... أنواع الطعام... ، والأمر الغريب أنني في كل مرة قبلت ذلك بطواعية، متذكرة المسيح الذي تخلى عن ذاته وصار إنسانا لأجلنا ، ليفسح لنا أن
نتذوق حب الله معنا ورحمته، كانت النتيجة فرحا يغمرني ويغمر كل الصعوبات....
من قمة هذا الجبل لا أستطيع إلا الهتاف إنّ الله معنا فافرحوا بالرب دائما أقول افرحوا....
الأخت سمية قره كلّه
راهبات الفرنسيسكانيات مرسلات مريم
|