الصور على هذا الرابط :
https://www.facebook.com/fmm.orient/photos/a.10152246215331511.1073741846.325635271510/10152246215401511/?type=1
خلال اللقاءات التحضيريّة لرسالة الفريق الرسولي الفرنسيسكاني الصيفيّ، تم عرض العديد من الأفكار حول التوّجه المنوي القيام به لجهة رسالة الفريق لهذا الصيف من سنة 2014. تنوعت الأفكار بين أن تكون الرسالة خارج لبنان أو في بلدة عشقوت أو نمط جديد من الرسالة، لكن رغبة الله كانت أقوى من رغبتنا فأرسلنا إلى حيث كانت الحاجة أكبر، فكانت رسالتنا كناية عن خدمة محبة.
ككل عمل رسوليّ لا بدّ من وقفة روحية نتذّوق خلالها طعم الرب، فكانت بداية لرسالتنا ولمدة يومين، اختبرنا فيها سويّاً أهمية الصمت والتأمل بكلمة الله المغذية فكانت بمثابة خبرة شخصية مع الرب، لكل واحدٍ وواحدة من اعضاء الفريق، إستعداداً للإنطلاق في عملنا الرسوليّ .
على أرض الواقع خدمة المنازل: لم نكن نتوقّع صعوبة الوضع، أو مدى حاجة المنزل الذي توّجهنا إليه من الجهد والعمل الكثير لإعادته إلى ما كان عليه قبل هجره من ساكنيه، فالبلاط والجدران والنوافذ وكل شيء فيه لم يلامس المياه أو مواد التنظيف منذ زمن طويل، رغم صغر حجمه، كانت متطلباته كثيرة، لدرجة أنّني لم أقتنع بقدرة الفريق على إصلاحه أوالوصول إلى النّتيجة المرجوّة، نظراً لعددنا القليل وحجم الأوساخ التي كانت تملأ البيت.
كنا كعائلة واحدة، كلّ شخصٍ عاش الرّسالة على طريقته ولمسته بطريقة معينة، فبعد صلاة الصباح كان البعض ينطلق إلى العمل، في حين يبقي البعض من أعضاء الفريق لتحضير لوازم الإخوة من طعام وتحضير صلوات. كما يجب أن لا ننسى المشاركة اليومية والفعاّلة في القداس الإلهي.
لم تكن القوّة الجسديّة الفردية من أنجزت العمل، إنما النعمة الإلهية المعطاة لنا من خلال العمل الجماعي. ولا ننسى المواقف المضحكة والهفوات فيما بيننا والتي كانت تضفي جوّاً من الفرح والمرح فتدفعنا لمواصلة الخدمة بجدّ ونشاط.
وكخبرة شخصية، في العادة كنت أتّكل على الآخرين للقيام بالأعمال الصّعبة، لكن هذه المرة أردت اختبار وعيش هذه الأعمال بعمقها. فعملت، على تحدّي ذاتي وخوفي من الصراصير والحشرات المتنوّعة الموجودة لم تمنعني من إكمال الرسالةإلى نهايتها. فالهدف الأول لم يكن المنزل بحدّ ذاته، بحجارته وغباره بل المرأة التي كانت تسكنه، بالشعور الذي سينتابها عند انتهاء العمل، بانقلاب إيجابي في نفسيتها، حين تعود إلى منزلها فتراه نظيفاً، مرتّباً، جاهزاً لاحتضانها من جديد، علّه يزرع فيها أمل جديد فتطوي صفحة من الماضي وتبدأ ولادة جديدة.
في فترة بعد الظهر من كل يوم كانت هناك وقفةُ تنشئة حول حياة القديس فرنسيس بكل محطّاتها منذ ولادته حتى مماته ومسلّطاً الضوء على أيامنا هذه، مع الأب طوني حداد الكبوشيّ في كنيسة سيّدة الملائكة - بدارو. توقّفنا على مراحل حياته، على منبع وأسس روحانيّته ( الصلاة،الإنجيل، الفقر، الأخوّة، الأصغريّة، التوبة، الرسالة) والطريق الذي سلكه للوصول إلى القداسة.
أما خلال السنة، فلقد كانت رسالة الفريق في الأحياء والشوارع تشكّل دائماً نوعاً من علامة الإستفهام حول أهميّتها وثمارها حتى لدى أفراد الفريق نفسه. فكان جواب الله لنا من خلال هذه الرّسالة. فقد رأينا مدى تعلّق من نلتقي بهم بأعضاء الفريق، بل أيضًا باهتمامنا بهم، بالحبّ الذي نقدمه دون مقابل.ورأينا نظرتهم الإيجابيّة لنا، عشنا عطشهم وجوعهم للمعرفة الإيمانية والدينية، ورغبتهم بالتقرب من الكهنة والإعتراف وطرح العديد من الأسئلة الحياتيّة لمعرفة نظرة الكنيسة فيها.
والملفت التزامهم معنا وتشجيع بعضهم البعض على القدوم لمشاركتنا اللقاء، حين كنا نتأخّر عن الوصول، كنا نجدهم مجتمعين ينتظروننا في مكان اللقاء. وجود الإخوة والكاهن معنا شكّل تقدّماً كبيراً للرسالة، كوجود الأخت هيلين المعروفة من قبل الجميع والمحبوبة بسبب اهتمامها الدائم بأمورهم ومتطلباتهم. لم يكن سهلاً علينا ختام اللّقاءات، فرغبة الشبيبة أو كما يسمونهم الناس (شبيبة الشارع ) بالبقاء ومعرفة المزيد كانت تلزمنا على تخطي الوقت لأهمية الإنسان، إضافةً إلى حبّهم للسهرات الإنجيليّة والتي كانت واضحة عندهم.
كذلك زيارة السجناء الأجانب. فبعد الحصول على الموافقة المسبقة من المراكز الأمنية المختصة، توجّهنا إلى سجن الأجانب لزيارة الأشخاص الذين جرمهم الوحيد هو رغبتهم بالعمل في لبنان وعدم حصولهم على الأوراق الثبوتية المطلوبة لبقائهم، فيمضون اقامتهم في السجن ريثما تهتم الجهّات المختصّة والمراكز الإنسانية بالتحضير لعودتهم إلى بلادهم. فكان لقاءنا بهم هو للترفيه عما يعيشونه داخل قضبان السجن من خلال الغناء واللقاء المجانيّ والحرّ بهم، فشارَكَنا السجناء كلٌّ بحسب بلده أغنية من تراث بلده: مصر، الأردن، سورية، سريلانكا، السودان، الفيليبين، بنغلادش وأثيوبيا. فاختبرنا ما أعدّه الله لنا من جديد في الرسالة وهو الوقوف إلى جانب الأشخاص المنبوذين والمتروكين نوعاً ما من المجتمع وهم السجناء، فاختبرنا ما قاله الرب في إنجيله كنت سجيناً فزرتموني .
مرّ الأسبوع الرسوليّ بشكل سريع جداً، لكن ثماره كانت واضحة وضوح الشمس التي سبّحها القديس فرنسيس والتي كان يراها في قلبه عوضاً عن عينيه بسبب مرضه وفقدانه النظر: "كن مسبّحاً لأجل أختنا الشمس التي تعطينا النور والنهار، كن مسبّحاً لكل المخلوقات".
نسبحك يا رب من أجل كل عطاياك، من أجل فريقنا الرسولي الذي لا يزال مستمراً بجهود الأخت هيلين، الأب كميل، الأب توفيق، الأب جهاد، وكل أعضاء الفريق المشاركين إن بالصلاة أو بالعمل لانجاح الرسالة.
نسبّحك يا رب من أجل حضورك الدّائم معنا الآن وإلى أبد الآبدين آمين.
كارلا بعينو
|