على بعد بضعة أمتار من مغارة الحليب وبالقرب من كنيسة مهد المسيح ، تسكن جماعة راهبات "الفرنسيسكانيات مرسلات مريم"، فمن سطح ديرهنّ يمكننا رؤية المنظر الرائع لحقل الرعاة وباقي المناطق المجاورة التي ما تزال تكلمنا عن حياة السيد المسيح على أرضنا .
كان البيت ملك لسيدات الجلجثة المكرسات، وعندما لم يعدن قادرات على العمل في هذا المكان ومتابعة رسالته، قدموه الى الرئيسة العامة التي كانت في هذا الوقت :" الأم ماري دي ريدمسيون" وهي ثاني رئيسة عامة على الرهبنة حوالي 5 سنوات بعد وفاة الأم ماري دي لا باسيون ، التي كانت تتوق الى تأسيس دير لعائلتها الرهبانية في الأرض المقدسة .
هكذا شاءت العناية الإلهية. في 21 كانون الثاني أعلنت الرئيسة العامة إفتتاح ديرالراهبات في بيت لحم .
تسألت الرئيسة :" أليس الطفل يسوع نفسه الذي دعا مرسلاته الراهبات الى مغارته في ميلاده هذه السنة؟
أسرعت الأم الرئيسة بالتحضير للإنطلاق . ولكن قبل بدء رحلة الراهبات الست، ذهبن وسجدن امام قداسة البابا بيوس العاشرالذي باركهن وقال لهن " انا أيضاً أتمنى أن أذهب معكن الى بيت لحم "
13 ك2 سنة 1909 وصلن الى مرفأ حيفا قادمات من روما وفي نفس اليوم تابعوا المسيرة الى حيث "دعاهم النجم" الى مدينة بيت لحم . دخلوا ديرهم الصغير، ويا لها من نعمة ان يكونوا عائشات بأقرب ما يكون لمغارة الطفل يسوع . الذي أصبح شفيع ديرهم وتحت حمايته .
ميلاد 1909 كانت المفاجأة لسكان بيت لحم ، في مغارة الطفل يسوع ، راهبات لم يعتادوا ان يروا مثلهنّ من قبل ، بثوب ابيض طويل مما جعلهم يطلقون عليهنّ اسم الراهبات البيض ! وما زال هذا الإسم متداول حتى يومنا هذا في الأراضي المقدسة. وفي نفس هذه السنة أيضا، يروى أن الثلج نزل على بيت لحم بكميات كبيرة لم يشهدها السكان منذ حوالي 25 سنة، مما جعل الناس يقولون لبعضهم البعض : "أليس الثوب الأبيض للراهبات البيض الجدد هو الذي جلب على بلد يسوع هذا البياض كله ؟؟ " .والراهبات تسألن:" ألم يكن هذا الثلج علامة أولى من السماء لنعمة القربانة البيضاء المصمودة كل يوم على المذبح في كنيسة دير الراهبات ، وعملها في النفوس.
بعد أيام عديدة لوصولهن استطاعوا البدء بمستوصف للعناية بالمرضى، وقسم للسيدات المسنات تابع له ، بعد ذلك ونزولآ عند رغبة اهالي بيت لحم وإصرارهم، تم فتح بيت داخلي للبنات ، سرعان ما أخذ العدد يتزايد كثيراً.
من ضمن المهام التي أوكلت للراهبات هي عمل البرشان لكل الرعايا وكل الأديرة تقريباً في المنطقة ، والإهتمام بغسيل كنيسة المهد ومغارة الحليب. أيضا طلب منهن تأسيس مجموعة جنود مريم في الرعية والإهتمام بها.
1914 اندلعت الحرب العالمية الأولى ، ولم يكن قد مضى الا خمس سنوات على تواجدهن في المنطقة، حتى أوقفت كل النشاطات ، وأجبرت كل الرهبانيات على ترك المنطقة في 28 كانون الأول ، ومعهم الفرنسيسكانيات ، تاركين منزلهم الذي إحتله الجنود الأتراك يروى انه في أحد الأيام، أراد الجنود دخول الدير، فبحثواعلى طريقة يصلوا فيها لدخول الكنيسة فكسروا الباب .
لكن أحد الجنود شاهد سوار الذهب بيد العذراء فأراد أن يأخذه ، لم يكن بعد قد لمسها حتى شعر بيده تشل ،فأخذ يصرخ من الرعب . أما الأخرين فهربوا مذعورين دون أن يمسوا شيء في البيت، وأخبروا بعض المسنين الذين لم يتركوا بيوتهم :" السيدة نظرت إلينا بعيون مليئة بالحياة والتوبيخ". عندما اتى معهم بعد الأشخاص ليروا تلك السيدة، أخذ الجنود يشيرون الى تمثال العذراء عن بعد دون ان يجرؤ أحد على دخول الكنسية.
هذا التمثال ما يزال حتى اليوم محفوظ ومكرم بطريقة خاصة في الدير الذي حافطت هي عليه جيداً".
18 كانون الثاني 1918 إعادة افتتاح الدير في بيت لحم من جديد.
عادت الراهبات فوجدن بيتهن في حالة يرثى لها ، بدون أبواب ولا شبابيك بدون فرش للنوم .. ما عدا الكنيسة كانت كما هي دون تغيير ... باشروا على الفور بالتصليح، بمساعدة الإخوة الفرنسيسكان وبعض الأهالي لترميم البيت و بناء أقسام جديدة ،.إعيدت النشاطات كما في السابق ، وبدأ إستقبال بنات للداخلي وبأعداد أكثر من السابق، كما افتتح قسم لتعليم حياكة السجاد ،والخياطة والتطريزعلى أنواعه.... لمساعدتهن على كسب لقمة العيش والذي يعد حتى اليوم من تراث البلد، وكانت الراهبات تحملن المنتج في هذا المشغل لبيعة في الأردن وباقي الدول المجاورة....كما افتتح مستوصف خاص للأطفال المصابين بالسل.
في هذا الوقت1925 فتح أيضاً بيت الإبتداء للدعوات من الشرق الأوسط . 1928 دخلت اول راهبة" تلحمية" مريم صليبي. كانت المبتدأت تعملن في التطريز لكسب العيش. ولكن الرهبنة، بسبب الحرب وعدم الإستقرار، 1948 أجبرت على نقل الإبتداء الى أحدى الجبال اللبنانية "عشقوت" ،
كانت الأوضاع صعبة للغاية ، نقص في الماء ،الكهرباء ،والغذاء......الجرحى يصلوا الى المستوصف بالعشرات، ولكن الراهبات كباقي سكان المنطقة كن يعانين من مشاكل لتأمين الماء . مما قادهم لحفر بئر عميقة لتجميع مياه الأمطار. اما اذا لم ينزل المطر كما يجب، كان عليهن، بمساعدة البنات الذهاب الى العين التي تبعد مسافة كبيرة عن الدير، وحمل الماء لتلبية كل احتياجات الدير والكنيسة .
1949-1950 أتبع بناء صغير للبيت الذي كان قائم ، مما ساعد في فتح حضانة لأطفال المنطقة.
وبسبب الفقر الكبير كانت الراهبات مع بنات الداخلي يشاركونفي نشاطات الرعية وبالإحتفالات :"صلاة ليتورجيا ، دفن ...." مما كان يدخل لهم قليلاً من المال لسد حاجاتهم اليومية وللعيش بكرامة .
26 -10- 1959 : الإحتفال باليوبيل الذهبي للدير، مما سمح لكثير من الراهبات من كل الأقليم، بالقدوم والإلتقاء بأخواتهنّ في البلاد.
1964 : قداسة البابا بولس السادس زارالأراضي المقدسة .
1967 : كل النشاطات في اوجها :التطريز الذي تقوم به قدامى بنات الداخلي في بيوتهنّ ويرسل الى اميركا، حضانة ، مستوصف.... تندلع الحرب من جديد ويحتل الجيش بيت لحم فتصبح منفصلة عن القدس ولا يستطيع أحد ان يدخل او يخرج منها إلا بتصريح خاص. كثير من المهجرين ، بدون كهرباء ،لا غاز ولا بترول ....
في هذه الفترة بدأت راهبة بإعطاء دروس : فرنسي ، وانجليزي، واخذ عدد السياح يتزايد ، مما أنعش قليلاً مدخول الدير.
بعد انتهاء الحرب ، اقيم بناء جديد للحضانة ليستقبل عدد أكبر من الأطفال ، ، وهذا سمح بإيجاد تواصل مع العائلات، وفي الصيف استقبال عدد أكبر من السياح .عندما أخذت دور الحضانة تفتح في المنطقة ، قلّ عدد الأطفال عندنا. سنة 1993، استأجرالبناء ليتحول الى مركز أرشاد للعائلة ، حيث تعمل فيه إحدى الراهبات، وما زال حتى اليوم يؤمن هذه الرسالة . بعد ان توقف استقبال بنات الداخلي ، استعمل البناء لإستقبال السواح وللرياضات الروحية ولباقي النشاطات التي كانت تنظمها الراهبات ضمن رسالتهن في الأرض المقدسة.
أما القسم الذي كان يستقبل السواح، فقد تسلمته حراسة الأراضي المقدسة منذ 3 سنوات، وجعلته مؤهل ليستقبل الأولاد الذين لديهم أوضاع عائلية صعبة وهم بحاجة للإستقرار، ولجوعائلي سليم يساعدهم على النمو بشكل أفضل على جميع الأصعدة ." بيت الطفل الفرنسيسكاني" ،حيث تعمل إحدى الراهبات .
اما رسالة الراهبات حالياً ، فهي حضور ، صلاة وعمل ضمن مجالات متعددة :الإرشاد العائلي في مركز العائلة الفرنسيسكاني ،الإهتمام ببيت الطفل،التثقيف الديني بالمدرسة، النشاطات المختلفة ضمن الرعية.
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
بمناسبة اليوبيل المئوي لافتتاح الدير أقيمت سهرة سجود في 29/10/ 2009، كما أقيم قدّاس احتفالي في كنيسة مغارة الحليب في 1/11/2009، ترأسه الأب بيار باتيستا بيزابيلا الفرنسيسكاني حارس الأراضي المقدّسة .
في بداية القدّاس رحبّت الراهبات بالحاضرين لمشاركتنا هذه المناسبة السعيدة:
" يسعدنا أحباءنا في هذا المساء أن نقدّم معاً صلاة شكر لله، على مرور مئة سنة لنعمة حضورنا نحن الراهبات الفرنسيسكانيات مرسلات مريم الملقبين براهبات " البيض" في مدينة بيت لحم.
مثل فرنسيس تملّكت ماري دو لا باسيون الرغبة بإعادة العيش والعمل بحسب الانجيل على الأرض . ويتوق حدسها الى " التعمّق أكثر في سرّ التجسّد... الى التأمل بمريم على ضوء الكلمة المتأنس خلال صلاتها الافخارستية قائلة : " لا يمكنني الفصل بين مريم ويسوع، حتى في عبادة القربان المقدّس. لا أعبد مريم، بل أعبد، كوننا ضحايا عابدات لسرّ القربان المقدّس، يسوع ابن مريم. وهي دعوة تفوق كلّ الدعوات في الرهبنة وحياتنا الرسولية ليست الا نتيجة لها." ( اطلب الصور )
|