ولد فرنسيس في مدينة أسيزي عام 1181 ( 1182؟) وهو ابن تاجر قماش غني. عمل مع والده، عُرف بلطفه وأنسه ومهارته في التجارة. كسب مالا وفيرا، أنفقه بجنون في الحفلات والولائم، مع أصحابه الذين توّجوه ملكا على الأخيار من شباب أسيزي. حدث ذلك في الوقت الذي تحرّرت فيه المدن التجارية من السلطة الإقطاعية وأنشئت المديريات المستقلّة وبدأ شباب الطبقة البرجوازية يتطلعون الى الوظائف العالية. وفرنسيس؟ ما حلّ به؟ ...انّه يحلم بالمجد العسكري.
اشترك وهو في الثامنة عشرة من عمره، في الحرب التي قامت بين أسيزي ومدينة بيروجة: المدينة القريبة والمنافسة. هناك أسر وسجن. ثمّ عاد إلى أسيزي وقد اعتلّت صحته بعد عام أمضاه في الأسر. لازم البيت زمنا وحيدا مفكّرا. شعر بتغيير جذري في أعماقه. ولما خرج من البيت بعد أن استعاد عافيته، زار الكنائس الصغيرة المنتشرة في ريف أسيزي، كان يقضي فيها ساعات طوال، في صلاة فتحت قلبه على آلام العالم.
أتمّ فرنسيس الخامسة والعشرين من عمره. بينما كان ذات يوم يصلي في كنيسة القديس دميان، أمام الصليب البيزنطي، سمع الربّ يسوع يقول له: " يا فرنسيس! اذهب وأصلح بيتي الذي كما تراه يتهدّم". لم يفهم فرنسيس إلا بعد زمن، أنّ بيت الله الذي يحتاج إلى ترميم هو الكنيسة. في تلك الآونة، لم يفكّر إلا بالكنيسة الصغيرة المتهدمة. واستجابة للصوت الذي سمعه أصبح عامل بناء، يرمم الكنائس ويجمع التبرعات لإتمام عمله كما يفعل الفقراء. نبذه والده لأنه لا يحبّذ نمط حياته الجديدة ولا يرضى بها.
عاش فرنسيس مدّة سنتين متنسّكا وبنّاء للكنائس. وذات يوم، بينما كان في إحداها وقد رمّمها بيديه، أصغى خلال القداس الإلهي إلى قراءة من الإنجيل، في " إرسال التلاميذ" وإذ بنور ينبثق أمام عينيه ويفتح قلبه. في تلك اللحظة اكتشف فرنسيس دعوته: الرسالة. لقد أدرك أنه مثل التلاميذ مرسل إلى الناس ليعلن لهم البشرى السارة في الفقر والفرح. تكوّنت الجماعة الأولى: جماعة صغيرة كبرت بسرعة حتى وصل عدد أفرادها إلى بضعة من الآلاف، انتشروا في العالم الأوروبي.إنهم دائمو الترحال والسفر، قريبون من الناس بفقرهم وبساطتهم، يحملون حيث يمرون، نفحة سلام ومصالحة، عبق حمد وشكر. فرنسيس وأخوته كانوا يسعون لتجديد الكنيسة من الداخل.
كان للحياة الإنجيلية التي نهجها فرنسيس مع الإخوة الأوائل صدى عميق في قلب شابة نبيلة من أسيزي، لها من العمر ثمانية عشر عاما، اسمها كلارا. جاءت إلى فرنسيس طالبة منه بحزم أن يكرّسها للربّ.فاعتزلت الحياة وأسست رهبانية السيدات الفقيرات. هدف هذه الرهبانية هو الجمع بين التأمل السامي والحياة الإنجيلية الأكثر تواضعا وفقرا.
ما كان فرنسيس ليفصل الرسالة عن التأمل. غالبا ما كان يعتزل في المناسك ويغرق متأملا في الله. أحبّ فرنسيس الربّ يسوع حبّا جمّا إذ رأى فيه تواصل الله مع البشر.
أثناء الحملة الصليبية، غير مبال بحياته، ذهب فرنسيس إلى مصر ليلتقي بسلطانها. هناك أصاب عينيه رمد، كاد أن يفقده البصر، إضافة إلى ما أحاط به من هموم وشكّ وحزن، لمّا علم أنّ الإخوة يعترضون على هدفه الإنجيلي. فاستقال من منصب الرئاسة العامّة للرهبانية عام 1220 وكانت مرحلة ظلام وصحراء.
سنة 1224 قام فرنسيس بخلوة طويلة على " جبل لافرنا"، فاضطرم قلبه بحبّ الربّ يسوع ووسِم بجراحات الآلام. ثمّ عاد بعدها إلى أسيزي وقد أنهكته العلل والمشقّات، إلا أنّ فرحا عجيبا سكن قلبه... فنظم نشيد الشمس. وهو نشيد يترك فيه الخليقة كلّها تشاركه صلاته ومديحه. في 3 تشرين الأول 1226 فتح الفقير الصغير قلبه لأخينا الموت بعد أن طلب من الإخوة الحاضرين أن يرتّلوا له نشيد الخلائق.
ترك فرنسيس الأسيزي مجموعة من المؤلفات: قانوني حياة، ثمان وعشرين توصية، وصيتين، رسائل وبعض الصلوات. معظم مؤلفاته تعود إلى السنوات الأخيرة من حياته. يشاركنا من خلالها بخبرته الروحية وقد وصلت حدّا أعلى من النضج. ( يتبع ) |