الطريق الذي يقود إلى عمّاوس هو طريق حياتنا العادية، طريق فيها مطبّات، فيها منعطفات كثيرة لكن أيضا فيها دروب ممهّدة. هذا الطريق ليس طريقا خاصا بل عام: انّه طريق كلّ منّا.
دعونا نأخذ هذا الطريق مع " قلاوبا"، الذي يمكن أن يكون كلّ واحد منّا. لقد أدار ظهره لأورشليم وهو يائس، ترك أورشليم مدينة الله، كلّ شيء بالنسبة إليه انتهى " حتى تنتهي الرواية قصة الحبّ العجيب، مات بين المجرمين...." وجد رفيقا للطريق حتى يدردش معه في تلك الأمور التي حدثت: " كنّا نرجو"، كنّا قد وضعنا آمالنا في يسوع، لكن كلّ شيء قد انتهى. أحيانا نحن أيضا يكون لنا الموقف نفسه، أي نقول : " كنّا نرجو..."
على هذا الطريق بالذات، على طريق قريتهما " عمّاوس "، كان المسيح ينتظرهما عالما بهذا اليأس الذي حلّ فيهما.
كانا اثنين فأصبحا ثلاثة، نحن نعرف هذا الشخص الثالث، لكنّ التلميذين لم يعرفاه بعد. يرافقهما يسوع على نفس الطريق ... طريق الحياة.
يعرف يسوع خزفية الرجاء، وكيف تصيب قلب الإنسان، ويعرف أنّ الظلام أحيانا يحجب الحقيقة الموجودة في قلب الإنسان: قلب كلّ واحد منّا.
الطريق طويل، لا بأس إن أدركهما الليل. فالموضوع بحاجة إلى وقت كي يفهمهما. يسوع يأخذ وقته، ونحن أيضا يجب أن نأخذ وقتنا. لا بدّ من انحسار الشتاء كي يأتي الربيع. الوقت مهمّ كي تنبت حبّة الحنطة التي دفنت في الأرض وتزهر وتعطي ثمرا. لا بدّ من وقت للنمو.
إن تلميذي عمّاوس بحاجة إلى وقت كي تنفتح عيونهما ويعرفاه. الوقت مهمّ كي يتطهّر القلب بنار الحبّ.
الوقت مهمّ كي يشرح لهما القصّة من البداية، منذ الخلق، فالأنبياء، فالتجسّد، فالفداء وحتى القيامة.
الوقت مهمّ كي تعمل كلمة الله فينا وتوحي إلى قلب الإنسان حقيقة القيامة. الوقت مهمّ كي أقبل كلمة ربّي وأتركها تعمل فيّ وتشتعل.
يسوع، كلمة الله الحيّ، كلمة الله المحيية التي تجسّدت، هو نفسه يسير معنا على طريق حياتنا ويزرع شيئا فشيئا في قلبنا السلام.
ليست كلمته فارغة إنما هي حضور، وحضور فعّال.
سهرة ومشاركة وكسر خبز " عيش وملح": تفضّل وابق معنا، لن نتركك تمضي. امكث معنا وشاركنا طعامنا.
سار يسوع على إيقاع خطواتهما وهو يسير على إيقاع خطواتنا.
احترم يسوع إيقاع أفكارهما وإيقاع نبض قلبهما إن صحّ التعبير. هو يحترم إيقاع ونبض أفكارنا وقلوبنا.
احترم يسوع إيقاع عاداتهما كما يحترم إيقاع عاداتنا، لذلك وقف ودخل معهما وشاركهما العشاء كما يشاركنا اليوم.
لقد أصبح كلّ شيء واضحا عندما أخذ الخبز وباركه، وهنا انفتحت عيونهم مع كسر الخبز الذي هو علامة حضور الله، علامة حضور يسوع الدائم في الإفخارستيا.
افتح عيوننا يا ربّ حتى نعرفك.
" امكث معنا يا ربّ". لقد عرفاه ودخل السلام قلبيهما وقد مال النهار...
ذهبت الظلمة عنهما، ونور معرفة المسيح أضاءت عيونهما وقلبيهما.
" امكث معنا يا ربّ".
لكنّه لم يعد موجودا هنا، لقد اختفى، انه غير موجود بجسده لكن حاضر في غيابه، ونحن وإن لم نره رؤية العين لكننا نعرف ونؤمن أنّه حاضر في سرّ القربان.
كلّ شيء تغيّر، لم يبق شيء كما كان، من غير الممكن أن يبقى تلميذا عمّاوس على حالتهما الأولى: لقد امتلأ قلباهما بفرح القائم.
وفورا أخذا طريق العودة، في البداية كان الطريق طويلا، لكنّه أصبح الآن قصيرا، لقد عادا بسرعة إلى أورشليم حتى يدردشا في الأمور التي حصلت معهما. لقد انتعش رجاؤهما.
ليتنا نعرف: أن يسوع يمشي دائما معنا وان لم تعرفه أعيننا. هو يسير معنا ويعطينا علامات الطريق، طريقه هو. هذا الطريق الذي كابد فيه الألم والموت ليدخل في مجده، وهذا ما يعطي معنى لحياتنا، معنى لأحداث حياتنا، حتى المؤلم منها.
ليتنا نعرف: انّه في شكّنا وفي يأسنا، يقدّم يسوع لنا دائما مائدة لا ينقص عنها الخبز أبدا. خبز كلمته، خبز حياة جماعتنا، الخبز الذي يتوجب علينا تناوله ومشاركة الآخرين به.
ليتنا نعرف: أن مع يسوع، الحاضر معنا، يغدو الطريق الطويل الذي لا نهاية له قصيرا، والمملوء بالحُفر ممهّدا.
بالإيمان، نفهم أكثر أنّ يسوع هو رفيق الطريق. يرافق كلّ واحد منّا على طريق حياته الشخصية. يأخذ يسوع إيقاع خطواتنا ويمشي وفق سرعتنا، ويحترم إيقاعنا سريعا كان أم بطيئا. انّه يرافقنا إلى أن تنفتح عيوننا، حتى نستنير وتدفأ قلوبنا وتمتلئ حرارة.
ليت كلامه يسكن قلوبنا كما سكن قلبي تلميذي عمّاوس، فنذهب ونُخبر نحن أيضا أنّه قام من بين الأموات. وهنا تبدأ رسالتنا، رسالة الحبّ التي تُترجم بالأفعال لا بالأقوال لأنّ يسوع هو الذي يرسلنا. |